مارينا تبسم، مديرة شركة مارينا تبسم للعمارة، وهي هيئة متخصصة أنشئت في عام 2005 في دكا، بنغلاديش. بدأت ممارسة تبسم المعمارية رحلتها من خلال سعيها إلى إنشاء لغة معمارية معاصرة للعالم ومتجذرة في المكان. وتشغل مارينا منصب المدير الأكاديمي لمعهد البنغال للعمارة والمناظر الطبيعية والمستوطنات، كما درّست في كلية الدراسات العليا للتصميم في جامعة هارفارد، وفي جامعة تكساس، وفي جامعة براك، وهي حالياً أستاذة زائرة في جامعة دلفت. وهي حاصلة على جائزة الآغا خان للعمارة لعام 2016 عن تصميم مسجد بيت الروف في دكا. وهي عضو في محافل عدة، منها اللجنة التوجيهية لجوائز الآغا خان للعمارة، ومجلس إدارة شركة بروكريت، وهي مؤسسة تُعنى بتقديم الدعم التجاري. كما حصلت على جائزة جميل 5 في عام 2018، وتم ترشيح مشروعها Pavilion Apartment لجائزة الآغا خان في عام 2004، وفي العام نفسه حازت على جائزة آيا في الهند عن مشروعها NEK10 في دكا، بالإضافة إلى جائزة أنانيا شيرشوا داش عام 2005، التي تقدّر سيدات بنغلاديش ذوات الإنجازات الاستثنائية. وشاركت مؤخراً في الدورة الافتتاحية من ترينالي الشارقة للعمارة: حقوق الأجيال القادمة.
نص الحلقة:
د.م.: معكم ديان مهنا، معمارية ومنسّقة برامج في ترينالي الشارقة للعمارة. واليوم نستكمل السلسلة الأولى من حوارات ترينالي الشارقة للعمارة: مجتمع عمارة وأكثر، ويسعدني أن أرحب بضيفتنا اليوم، الأستاذة مارينا تبسم، وهي مديرة شركة مارينا تبسم للعمارة، وهي هيئة متخصصة تم إنشاؤها في عام 2005 في دكا، بنغلاديش. كما تشغل منصب المدير الأكاديمي لمعهد بنغلاديش للعمارة والمناظر الطبيعية والمستوطنات. حصلت تبسم على جائزة جميل 5 في عام 2018، وشاركت مؤخراً في الدورة الافتتاحية من ترينالي الشارقة للعمارة: حقوق الأجيال القادمة عام 2019. بدأت ممارسة تبسم رحلتها في سعيها إلى إنشاء لغة معمارية معاصرة للعالم ومتجذرة في المكان.
م.ت.: أهلاً ديان، شكراً جزيلاً على هذه المبادرة الرائعة. يسعدني جداً التحدث معك بعد عملنا على ترينالي الشارقة للعمارة في الأشهر الماضية، ولكن يبدو الأمر الآن أنه حدث منذ زمن بعيد، بعد هذا التوقف القسري في حياتنا. يسرني فعلاً التحدث معك مجدداً.
د.م.: من الرائع أن تكوني معنا مجدداً، شكراً لقبولك الدعوة. كلي حماس تجاه حوارنا اليوم. سأبدأ بطرح جانب مهم للغاية بالنسبة لنا، وبالأخص بالنسبة لك، هو أنك دائماً ما تباشرين محاضراتك بتحديد موقع بنغلاديش على الخريطة وتقديم نفسك على أنك معمارية صنعت في بنغلاديش، وتستغرقين وقتاً جيداً بوصف البلد التي تعيشين فيها، والمدينة، وتتحدثين عن المناخ المحلي والأرض وتاريخها. هل لك أن
تحدثينا أكثر عن العلاقة بين الظروف الخاصة التي نشأت بها وممارستك المعمارية؟
م.ت.: طبعاً بالتأكيد، وربما من الأفضل أن أقدم لمحة عن أسباب قيامي بذلك. درست العمارة في التسعينات وتخرجت عام 1995، وكانت تلك فترة مزدهرة بالعمران والبناء في مدن عديدة من آسيا، مثل بكين وشنغهاي ودبي وأبو ظبي، كانت جميع هذه المدن قيد البناء. وكان قطاع التطور يتحرك بسرعة فائقة كما تعلمون، وبطريقة ما، فقدت المدن شيئاً من تفردها، حيث أن جميع المباني في كل مدينة كانت متشابهة. وكان هذا من تأثير العولمة. البناء السريع، وسهولة صناعة الحديد والزجاج. ودكا في ذلك الوقت، حين تخرجت أنا، كانت مشابهة لذلك. هذه مدينة أسكنها ونشأت فيها، وفيها أمارس مهنتي. وبدأت كذلك بتقليد طريقة التقدم بشكل ما، وبصفتي معمارية شابة تخطو نحو مهنة العمارة، أحسست أنها هناك خطب ما في هذه الطريقة وأنها غير مسؤولة نوعاً ما. بمجرد التفكير في الزجاج كواجهات مكشوفة في مناخ استوائي هو أمرٌ خاطئٌ للغاية. ومع ذلك، يواصل المعماريون، حتى الآن، بتصميم هذه المباني، التي تمثل جمود هذا النمو وتساهم فيه. منذ بداية ممارستي للعمارة، قررت استكشاف مميزات المكان الذي أسكنه، والذي هو بنغلاديش. لدى هذه البلد خصوصية جغرافية ومناخية مميزة، مثل باقي المناطق والثقافات والأماكن الأخرى التي تزخر بالمجتمعات البشرية مع تنوع طرق التعبير من خلال الفن والموسيقى والطعام والعمارة. لذا، وبطريقة ما، فإن ذوبان هذه الخصوصية والتفرد من خلال المشاركة بجنون ما يعرف بالتطور يعني ضياع غنى الأرض والتاريخ. وأصبح ذلك في الواقع شعاري وأيدولوجيتي في التأسيس للممارسة الخاصة بي. وحينها بدأت التمعن في الأرض، كيف تم بناء بنغلاديش جغرافياً، المناخ، وكيف أنها شكّلت ثقافة خاصة فيما يخص تشييد المباني، وتحضير الطعام، وعلى كافة الأصعدة، في الأدب، وحتى اللغة التي نتحدث بها، والملابس التي نرتديها. لذا، وبأشكال مختلفة ذاك الخليط هو ما يعزز ممارستي المعمارية وبهذه الطريقة أسست أسلوبي. أحاول التعلم من حكمة الحقب الماضية من خلال فهم الأساسيات واستخراج ما هو ضروري ومن ثم إعادة صياغته فيما يتناسب مع الوقت المعاصر، بلغة مناسبة، إن صح التعبير.
د.م.: إنها طريقة رائعة لشرح كيفية تأثير السياق على ممارستك المعمارية. وكنتِ تتحدثين عن الزجاج كمادة مستخدمة في بعض المشاريع. وأنتِ، في مشاريعكِ، لاحظنا استخدامك للكثير من المواد المحلية كذلك، مثل الطوب.
م.ت.: بالتأكيد، أقصد، الطوب هو المادة الوحيدة التي نملكها، ما عدا الطين، ذلك لأنها منطقة دلتا. وبما أن بنغلاديش تعتبر دلتا فيوجد هناك مادتان فقط متاحتان محلياً. ليس لدينا أي حجارة أو ما إلى ذلك. وبالنسبة لي، عليَّ أن أبحث عن مواد للبناء تكون ضمن ميزانية المشروع ويكون الحرفيون قادرون على التعامل معها وبناءها. ومن هنا نشأت عندي فكرة استكشاف المواد المتاحة محلياً، والطوب هو مادتنا – وهو ما استخدمناه منذ آلاف السنين – إذا أردت أن يكون هناك شيء دائم. وبالنسبة للعمارة المؤقتة، كنا دائماً نستخدم الطين. لذا إن أردت فعلاً ترسيخ عمرانك، هذه هي المواد التي يمكنك اعتمادها، ولذلك عندي شغف تجاه هذه المواد.
د.م.: فالسياق إذاً هو المادة، والمناخ، والتاريخ، وكذلك البشر والمجتمع الذي يحيط بك. وأفهم من خلال عملك أن المجتمع كذلك هو جانب مهم جداً من مشاريعك. على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى مسجد بيت الروف الذي فاز بجائزة آغا خان للعمارة لعام 2016، والذي كان من أهم جوانبه كما قلتِ سابقاً هو إعطاء "الشعور بالملكية" للمجتمع. هل لك أن تشرحي لنا ما هي عملية المشاركة المجتمعية؟ وكيف تنظرين إلى ممارستك المعمارية كممارسة اجتماعية؟
م.ت.: مسجد بيت الروف هو مسجد مجتمعي، أي أن السكان المحليون يعتنون به. مشروعٌ مثل هذا، حيث لا يوجد تمويل خارجي مقدم من الهيئات الحكومية، تحتاج المجتمعات المحلية إلى المشاركة فيه وتحمل مسؤولية الصيانة والاستخدام. ولهذا السبب، فمن الضروري جداً أن يكون المجتمع مشاركاً أثناء عملية البناء. وتقدم هذه المشاركة إحساساً بالملكية التي تضمن الحياة الصحية للمبنى، حتى يكبر بأمان، ويكون مفيداً للناس. تحمس أفراد المجتمع للفكرة منذ البداية، حيث لم يكن هناك مساجد في المنطقة، لذا كان المشروع حلماً بالنسبة لهم. إنه حي متوسط إلى قليل الدخل، لذا شاركوا في عملية البناء من خلال جمع الأموال والعمالة والمواد، مثل تقديم بعض أكياس الإسمنت أو المعدات الكهربائية مثل المراوح أو الإضاءة أو الموّلد أو معدات السباكة، كالقنوات والأنابيب أو حتى سجادات الصلاة. كلٌ ساهم بحجم استطاعته، وأخذنا بشكر وامتنان أي شيء قدموه بسخاء، وكانت تلك هي طريقة ارتباطهم بالمشروع. كان هذا الأمر مهماً جداً، لأنهم هم الأشخاص الذين سيعتنون بالمبنى لأنه يخصهم. وهكذا كانت الطريقة التي أنشأنا بها هذا الارتباط وهذا النوع من الشعور بالملكية لأنه لم يكن هناك أي تمويل للمشروع. المجتمع هو من قام بجمع الأموال وكل ما كان جزءاً من المسجد. لذا، فمن ناحية الممارسة الاجتماعية، لا أعلم إن كان يمكنك مناداتي بالممارسة الاجتماعية. وبصراحة لا يمكنني ادعاء ذلك، لكن مع تزايد المشاريع التي نشارك فيها، كان هناك عنصرٌ تشاركيّ، وخاصة عندما نعمل مع القرويين لمساعدتهم في بناء منازلهم. إنها عملية من البناء المشترك. ارتباط المعرفة القديمة بالبناء مع خبراتنا التقنية. معاً يمكننا خلق بيئة أفضل. يتعلق الأمر بالاحترام المتبادل لمهن بعضنا البعض ومعارفنا، والأهم من ذلك، من جهتنا نحن، إنه التزام بمبدأ أن كل إنسان يجب أن يكون لديه القدرة على التصميم. لا يمكن أن يقتصر الحق في التصميم على 1 أو 2 % من الناس، ولهذا السبب نحن أكثر تركيزاً الآن على هذا النوع من المبادرات المجتمعية والعمليات التشاركية حيث نكون متاحين للناس الذين لم يحظوا بفرصة الحصول على مكان مصمم. إن كانت هذه ممارسة اجتماعية، فنعم هي كذلك.
د.م.: عندما نقول ممارسة اجتماعية، نكون مهتمين جداً بالمسؤولية المجتمعية للمعماريين. وهذا ما نحاول الحديث عنه هنا. عندما تتحدثين عن المبادرات التشاركية وإتاحة التصميم لغير مجتمع المعماريين، هو أمر مثير للاهتمام. كما أننا كنا نتساءل عن حدود أو قيود المعماريين، أجد أنه من المهم هنا أن قلت أنكِ تحاولين استكشاف قوة ودور المعماري.
م.ت.: نعم. أعتقد أن هذا من شأنه تعزيز دورنا، وهو أمرٌ مهمٌ للغاية في هذه المرحلة، ونحن في وقت نرى فيه الكثير من التباين وعدم المساواة بين الأشخاص الذي يعيشون في نفس العالم. لذا، إذا أردنا أن نكون ذوي قيمة، إذا أردنا تسمية أنفسنا ممارسون مسؤولون أو مهنيون مسؤولون، فمن المهم جداً أن نبدأ البحث في هذه الجوانب الأخرى للعمارة. العمارة لا يجب أن تقتصر على تصميم مبانٍ جميلة فقط.
د.م.: أريد أن أسألك عن المشروع الذي طورتِه عام 2017، الذي حمل اسم "بيوت الألفين دولار: البناء المشترك في دلتا بنغلاديش". عملتِ وقتها مع الجهات الفاعلة المحلية في بنغلاديش، مثل مؤسسة بوكا POCAA (منصة الفعل المجتمعي والعمارة)، أود هنا السؤال عن هذا المشروع التشاركي وكيف تم تبادل المعرفة بين مختلف الجهات.
م.ت.: عملية البناء المشترك هي ممارسة معتمدة في العديد من الدول في آسيا مثل سريلانكا وتايلند وإندونيسيا والهند. العديد من المعماريين في هذه الدول يمارسون ذلك، وفي بنغلاديش، أسس المعماري حاسبول كبير مع منصة بوكا POCAA هذه الممارسة، التي نحاول الآن اتباعها ومحاكاتها في مشاريع بيوت الألفين دولار. الفكرة هي أن يأخذ المعماري دوراً حيادياً ويدع الأشخاص يستكشفون أحلامهم وتطلعاتهم. نساعدهم على التنظيم واختيار المواد ونقدم لهم الاستشارة بخصوص التقنيات والترتيبات المكانية. إن الهدف هو تمكين الناس من البناء بشكل جماعي. إنها عملية تصاعدية، لذا يكون التفاعل مع المجتمع أمراً أساسياً. نعقد اجتماعات جماعية وفعاليات لخلق جو مجتمعي وبناء روح الفريق وتقدير الجهود الجماعية. ويتم تشجيع هذه المجتمعات على إنشاء مجموعات ادخار فيما بينهم. ومن نواحٍ عدة، فإن هذه العملية تأسست لتكون ممارسة بديلة، لإعطاء الأفراد شكلاً من أشكال القروض المادية لسداد احتياجاتهم الشخصية ومن بينها الإسكان. إن الممارسة الحالية الرائجة هي القروض الصغيرة، وهي فائدة مركبة، وبمعدل فائدة مرتفع أصبح القرويون سجناء لنظام القروض هذا. لذا فإن المدخرات الجماعية بفائدة بسيطة تساعدهم في الحصول على هذه القروض بمساعدة بعضهم البعض. وبينما نساعد المجتمعات على إنشاء مجموعات التوفير هذه وإدارتها، فإننا نبني الثقة وأشكال التواصل التي تساعد في عملية إرشادهم لتصميم منازلهم. لذا، وبشكل أساسي، كنا نحاول إنشاء نوعٍ من العلاقة مع القرويين لأنه لا أحد كان يعرف من هم المعماريون وماذا يفعلون. إنهم معماريون جيدون بما يكفي لبناء منازلهم الخاصة، ولكن، مع التقنيات الجديدة التي يتم إنتاجها، فإنهم لا يمتلكون المعرفة أو القدرة على فهم كيفية عمل هذه التقنيات. ببساطة، هم بحاجة للمعماري لمساعدتهم على البناء، وهنا يأتي دورنا في تمكينهم من فهم كيفية مساعدتنا لهم. ولهذا السبب نسميها المشاركة في البناء، لأنه مجموع معارفهم وتطلعاتهم مضافٌ لها خبرتنا ومعارفنا. وهذه طريقة جديدة للتعامل مع العمارة بأشكالٍ عدة. وأنا أؤمن حقاً أنه في عالم يسوده التفاوت وعدم المساواة، تكون هذه هي مسؤوليتنا وهي مسؤولية تحتاج إلى التوسع إلى ما وراء المباني الجميلة، كما أخبرتك قبل قليل. وأجد أن هذا الأمر مجزياً أكثر في مهنتنا، أكثر من بناء أي شيء آخر.
د.م.: شكراً على هذه التفاصيل. يمكننا القول الآن أنه عندما يتم التعامل مع قضايا حقيقية وتحديات على أرض الواقع، تتم دعوتك لإعادة التفكير في دورك ومسؤولياتك كمعمارية لمعالجة قضايا الاستدامة البيئية والاجتماعية بشكل أفضل ضمن سياق العمل الخاص بك.
م.ت.: من المحتمل. هذه ليست ضمن خطتنا كمعماريين، لكن عندما تبدأ في بناء شيء ما، فأنت تبني البيئة المحيطة بأكملها، إنه ليس مجرد منزل تبنيه ومن ثم تترك كل شيء وراءك. إن الأمر يتعلق بالتحكم في الأمر برمته، وأنت هناك تتفاعل بشكل جماعي مع الناس وتشجعهم على رؤية الأمور بشكل مختلف، وتتعامل مع الأشياء بشكل مختلف. لا يتطلب الأمر الكثير، إنه يتعلق فقط بوجودك هناك لمساعدتهم وإرشادهم بطريقة ما. نحن لا نشيّد البناء ونعتقد بأن مهمتنا انتهت هناك. عندما تذهب لتلك المناطق، وخصوصاً القرى، تجد أن هناك العديد من المشاكل التي يمكن أن تساهم في حلها، ليس كمعماريٍ فقط ولكن كإنسان. هناك مشاكلٌ بيئية وصحية. وهناك مشاكل زواج القصّر والولادة. وهناك مشاكل في تعليم الفتيات. وهناك التلوث والزراعة. وعندما تذهب هناك وتتفاعل مع الناس تبرز هذه المشاكل ولا يأخذ الأمور الوقت الكثير حتى ندركها دون أن تأثر علينا، نحن المستنيرون، كل ما علينا هو أن نكون هناك بينهم ونتفاعل معهم بينما نقوم بعملنا، ألا وهو بناء بيئة سكنية صحية. البيئة الجيدة ليست عبارة عن منزل جيد فقط. بل تتألف هذه البيئة من الحي بأكمله الذي يقطنه الناس وطريقة معيشتهم وطريقة تفكيرهم ورؤيتهم للمستقبل. لذا، وببساطة، كل شيء يصب في هذا الدور للعمارة. وهذا ما أؤمن به.
د.م.: كنت أتساءل، في ممارستك المعمارية، تعالجين كذلك التحديات الحضرية، لأننا تحدثنا عن هذا المشروع السكني للقرويين. ولكن كمعمارية وكشخص يعيش في مدينة دكا، واحدة من المدن ذات أعلى نسب في الكثافة السكانية، كيف تعالجين التحديات السكنية والحضرية التي تواجهها العمارة اليوم من خلال ممارستك أو أبحاثك؟
م.ت.: نعم، من خلال الأبحاث في الأغلب، لأن دكا أغلبها مشاريع سكنية وهذا بأكمله هو عالم المطورين، عالم التطوير العقاري. لذا، مكانٌ ليس لي دورٌ فيه، ويمكننا التحدث عن ذلك لاحقاً... وبنفس الوقت، لو كان هناك مشاريع حكومية... وفي الغالب المشاريع العامة يتم تنفيذها من قبل الحكومة نفسها. لذا، فنحن المعماريين محدودون جداً من حيث المشاريع التي يمكننا استلامها. ولكن في مدينة دكا، يمكنني القول إنني أكثر اهتماماً بالجانب البحثي. كثافة دكا لها حل بسيط ألا وهو اللامركزية والتواصل الأفضل. وغالباً ما تصبح الحلول البسيطة هي الأصعب في التطبيق نظراً لنقص الإرادة السياسية. لذا ما نحتاجه هو سياسات واضحة وخطط استراتيجية لاستخدام الأراضي، وتقسيم المناطق، والتخطيط السليم للبلاد بأكملها، لأن مساحات الأراضي محدودة للغاية. هذه هي الأشياء التي يجب فهمها وتنفيذها. تقوم الحكومة بتقديم استثمارات ضخمة في قطاع النقل العام وشبكة الطرق، ولكن لم يتم معالجة اللامركزية حتى الآن. وكما ذكرت مسبقاً فأنا أشغل منصب المدير الأكاديمي لمعهد بنغلاديش... وهو يمثل منصة متعددة التخصصات حيث يجتمع فيها المعماريون والمخططون ومعماريو المناظر العامة والجغرافيون وخبراء المرور، يلتقي الجميع في منصة واحدة ونحاول القيام بأنواع مختلفة من الأبحاث والفعاليات الأكاديمية، وقدم المعهد العديد من المشاريع البحثية والمقترحات الاستراتيجية، انطلاقاً من اهتمامنا بكيفية توزيع القطاعات المختلفة. وكانت أعمالنا متاحة من خلال المطبوعات والمعارض والمحاضرات. نحن ببساطة نحاول العمل كمجموعة ضغط، وكذلك نقدم الأفكار مجاناً. أتى بعض محافظي المدن إلى مكاتبنا وحاولنا التعاون مع البلدات والمدن الصغيرة. وهذه هي الطريقة التي نحاول بها ممارسة عملنا، ولكن كان لنا بعض المشاركات مع محافظي مدينة دكا، وحاولنا إلهامهم لوضع أسس وقوانين... عموماً نحاول العمل كمجموعة ضغط، ولكن هذا الأمر من جهة المعهد أكثر.
د.م.: نعود إلى النقطة التي ذكرتِ فيها أنك لا تودين الدخول في عالم التطوير العقاري... كيف ترين لمهنتنا أن تخرج من نطاق تحكم المطورين وماذا تقولين للمعماريين الشباب الذين يحاولون الحفاظ على ممارستهم الخاصة وخصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية؟
م.ت.: أنا لست ضد التطوير العقاري، لكن كما تعلمين، هناك عدة أسباب وراء قراري عدم العمل مع المطورين. وربما وجب توضيح ذلك في البداية. السبب الأول هو أن التطوير العقاري ربحي الدافع والهدف هو جني الأرباح. وغالباً ما ترين أن خطط العمارة الأساسية يتم اختصارها، وهذا أحد الأسباب التي تجعلني لا أحب العمل معهم. ثانياً، غالباً ما يقدمون خدماتهم لفئة معينة من الناس القادرين على الدفع. حتى يومنا هذا، لا يوجد أي مطور في بنغلاديش قدم أي مشروع يلائم ذوي الدخل المنخفض أو المتوسط، وهم الفئة الأكثر معاناة فيما يخص إيجاد مكان ملائم للعيش في مدينة كبيرة مثل دكا. لذا، أكون سعيدة جداً عندما أعمل على مشاريع تقدم منازل بسعر مناسب للعوائل ذوي الدخل المحدود. والسبب الثالث، هو أنه من خلال مجال التطوير العقاري، تم تسليع العمارة... تسليع الموضة والجاذبية الفورية. وتعلمين، كمعمارية، أؤمن بقيمة العمارة الأبدية. وبذلك يعترض أسلوبهم مع أيديولوجيتي. ولهذا السبب لست جزءاً من هذه الموضة فائقة السرعة، إذا أسميتها عمارة. في طريقة عمل الرأسمالية يتم تسليع كل شيء وخفض قيمته الفعلية، سواء كان التعليم أو الصحة أو الإسكان، فمن الصعب إيجاد أي جوانب إيجابية في ذلك. لا أعرف حقاً ما هي الإجابة...آمل بعد انجلاء هذا التوقف القسري في العمل بسبب أزمة كوفيد 19، أن نعيد التفكير كمجتمع وأن نغير شكل التعامل مع أجندات الرأسمالية لضمان بيئة معيشية أكثر توازناً ومسؤولية. وبالنسبة للمعماريين الشباب، نصيحتي هي، عليكم إعادة صياغة العمارة كمهنة. العمارة لا تقتصر فقط على تشييد المباني، وليست المباني التي تبنى هي العمارة. اعملوا على توسعة دوركم كمهنيين. يوجد هناك العديد من التحديات في العالم في هذه اللحظة والتي تشكك في الوجود الإنساني. هذا هو الوقت الذي يجب أن نعيد فيه التفكير بخطط العمارة. إن النموذج القائم على تقديم الخدمات والذي اعتمدته المهنة على مدار مئة عام على الأقل أثبت عدم فعاليته. وهذا ما أظنه. إنه لا يتحمل مسؤولية البيئة، ولا يشمل جميع سكان العالم. في الوضع الذي يوجد فيه الكثير من التفاوت وعدم المساواة، نحتاج حقاً إلى توسيع دورنا ليكون متاحاً للناس. نحن محترفون مبدعون، ويجب استثمار إبداعنا في خلق نماذج جديدة ومختلفة من الممارسات التي تعالج كل القضايا التي ذكرتها للتو. وكيف يمكن للمرء أن يحافظ على نفسه أو مهنته في ظل الأزمات. لدي نموذج لذلك بسيط للغاية، ألا وهو مكتبي. لدينا في المكتب فريق صغير – إنه مكتب صغيرٌ جداً، يضم 10 أشخاص فقط، ولا يزيد عددنا أكثر من ذلك، لأنه حينها يمكن أن نضطر إلى قبول مشاريع لا تمثلنا، الأمر الذي لا يعود علينا بأي فائدة... لن يكون الأمر مجزياً أبداً. نحن نبقي سقف نفقاتنا ضمن المعقول حتى عندما تأتي أزمة ما، يمكننا تجازها دون أن يقلَّ عددنا، أي أن نسرّح بعض الأشخاص من العمل، نحن تقريباً مثل عائلة متماسكة مؤلفة من 10 أشخاص، لذا نحاول الاهتمام ببعضنا البعض عند وقوع الأزمات. وأعتقد أن هذه الطريقة أثبتت نجاحها على مدار 20 عاماً. ولذا السبب قد أوصي الجميع بالحفاظ على العدد القليل والتركيز على الإنتاج.
د.م.: شكراً لك لمشاركتك معنا تجربتك الخاصة. كنت تتحدثين عن كيف يجب أن نستخدم إبداعنا، لإعادة التفكير بقيمنا وتحسينها. ممارستك المعمارية والطريقة التي تعملين بها مع المجتمعات عن كثب، تعالجين القضايا الاجتماعية والبيئية بطريقة رائعة وربما هذه الطريقة تمهد الطريق لما يجب على المعماريين معالجته بعد هذا الوباء لأننا لاحظنا مدى ازدياد حساسية البشر في أوقات الأزمات.
م.ت.: مع هذا الوباء – الفترة التي اسميها التوقف القسري في حياتنا أو عملنا – نملك وقتاً كافياً لنعيد التفكير في علاقاتنا، علاقاتنا الإنسانية، علاقتنا بالطبيعة وبكل شيء. وبطريقة ما، أثبتت لنا هذه الأزمة أنه لا يوجد تباينٌ بين البشر. والطريقة التي نخلق بها مواقف مختلفة يكون فيها الناس إما أغنياء أو فقراء، أتى المرض ليقول لنا، أنه يمكن أن يصيب أي أحد، والجميع يعاني بشكل مختلف. لذا، وببساطة، أظهر لنا أننا جميعاً مرتبطون جداً ونحتاج إلى رعاية بعضنا البعض بشتى الطرق. وأعتقد أنه عند انتهاء هذه الأزمة، سيكون هناك توجهٌ مختلف، سيعيد الناس التفكير بالقيم التي نتبناها وسيتم تقويمها. نعم، عندي أمل كبير، أن أرى عالماً مختلفاً تماماً بعد انتهاء هذه الأزمة.
(الهوية البصرية بإذن:ترينالي الشارقة للعمارة، الصورة بإذن:مارينا تبسم، تقنية التسجيل الصوتي: Blue Dot Sessions)