علي أحمد، زميل بحث يدرس حالياً سياسة الطاقة في مشروع كلية هارفارد كينيدي حول إدارة برنامج الأمن الدولي والذرة. وتتضمن مجالات أبحاثه علوم أمن الطاقة وأساليب التكيف، والاقتصاد السياسي للطاقة النووية في الأسواق الجديدة، مع التركيز على دراسة منطقة الشرق الأوسط. شغل علي سابقاً منصب مدير برنامج أمن الطاقة وسياستها في الجامعة الأمريكية في بيروت وكان زميلاً في درجة ما بعد الدكتوراه في برنامج جامعة برينستون للأمن العالمي والعلوم. كما يعمل أيضاً مستشاراً أول في البنك الدولي، حيث يقدم الاستشارات لقطاع الممارسات العالمية للصناعات الاستخراجية والطاقة. ويحمل علي شهادة في الفيزياء من الجامعة اللبنانية ودكتوراه في الهندسة من جامعة كامبريدج.
نص الحلقة:
م.ف.: مساءُ الخير، معكم مهناز فانسي، مديرةُ الاتصالات والعلاقات الخارجيّة في ترينالي الشارقة للعمارة وناقدة ثقافيّة. ويأتي لقاؤنا لهذا اليوم ليكون الحلقة الثالثة ضمن سلسلة حوارات ترينالي الشارقة للعمارة بعنوان: 'عمارة وأكثر: البنية التحتيّة'.
يسرّني أن أرحّب بضيفنا اليوم، علي أحمد، الذي ينضم إلينا من بيروت.
ولكن بدايةً اسمحوا لي أن أعرفكم بـ علي أحمد، فهو زميل بحثٍ يدرس حالياً سياسة الطاقة في مشروع كليّة هارفارد كينيدي بتخصص إدارة برنامج الأمن الدولي والذرّة. وتتضمّن مجالات أبحاثه علوم أمن الطاقة وأساليب التكيّف، والاقتصاد السياسي للطاقة النوويّة في الأسواق الجديدة، مع التركيز على دراسة منطقة الشرق الأوسط. شغل علي سابقاً منصب مدير برنامج أمن الطاقة وسياستها في الجامعة الأمريكيّة في بيروت، وكان زميلاً في درجة ما بعد الدكتوراه في برنامج جامعة برينستون للأمن العالمي والعلوم. كما يعمل أيضاً مستشاراً أولاً في البنك الدولي، حيث يُقدّم الاستشارات لقطاع الممارسات العالميّة للصناعات الاستخراجيّة والطاقة. ويحمل علي شهادة في الفيزياء من الجامعة اللبنانيّة ودكتوراه في الهندسة من جامعة كامبريدج.
مرحباً علي، أشكركَ على تخصيصكَ الوقت للتحدّث معنا اليوم.
ع.أ.: أهلاً مهناز. شكراً جزيلاَ لكِ. ويسرّني أن أكون ضيفاً معكم في هذه السلسلة.
م.ف.: في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، أعلنتْ مؤسّسة الإمارات للطاقة النوويّة عن افتتاح محطة براكة للطاقة النوويّة في منطقة الظفرة في إمارة أبو ظبي - وهي خطوةٌ مهمةٌ في سبيل ابتعاد دولة الإمارات عن اعتمادها على الوقود الأحفوري لتلبية احتياجاتها من الطاقة واحتياجات مدنها المتنامية وسكانها. ومن خلال حوارنا اليوم، فإننا سنبحث في معنى هذا التحوّل إلى الطاقة النووية على مستويات مختلفة - من مستوى المستهلك الفرد إلى المستوى الحضري – وكيف أن سياسة الطاقة على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي تؤثر على مستقبل المدن في الإمارات وفي الخليج عامةً.
لذا، دعنا نبدأ حديثنا باطلاع المستمعين على السياق بشكل موجز: تستثمرُ دولة الإمارات العربيّة المتّحدة ودول إقليميّة أخرى في مختلف
تقنيّات الطاقة البديلة، بما في ذلك الطاقة النوويّة. هل يمكنكَ أن تشرح لنا كيف يرتبط السباق لتطوير مصادر الطاقة البديلة في دول مجلس التعاون الخليجي بمخاوف خاصة بالمنطقة؟
ع.أ.: أولاً، أعتقدُ أنه من المهم أن نفهم معنى الطاقة كخدمة. وربما تكون أفضل طريقة لفعل ذلك هي تخيّل حياتنا بدونها. وفي الواقع، لقد ذكرتِ في وقتٍ سابقٍ أنني أتحدّثُ إليكم اليوم من بيروت، حيث يُعاني لبنان من انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة ومتكرّرة، لذا يمكن لمعظم المواطنين اللبنانيين أن يشعروا بأهميّة الكهرباء في حياتنا اليوميّة. وبوسعنا القول أنّ الكهرباء هي إلى حدٍ كبيرٍ الجهاز العصبي لمجتمعاتنا الحديثة.
ونظراً للدور المهم الذي تؤديه الطاقة في مجتمعنا، فمن المفهوم لماذا تُولي الحكومات وصنّاع السياسات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، اهتماماً كبيراً لسياسة الطاقة واستثمارات البنية التحتيّة. ففي نهاية المطاف، يُعدّ وصولنا إلى الطاقة واحداً من المحركات الرئيسيّة المعروفة للنمو الاقتصادي. لنعُد الآن إلى سياق دول مجلس التعاون الخليجي، حيث لدينا دولٌ منتجةٌ للنفط والغاز، وهما عنصران أساسيّان في مشهد الطاقة العالمي، وإذا ما نظرنا إلى هذه الدول، فهي أيضاً تستهلك الطاقة بشكلٍ كبير.
لذا، تتمتّع دول مجلس التعاون الخليجي بواحد من أعلى معدّلات استهلاك الفرد للطاقة. لإعطائكِ مثالًا على ذلك، بلغ في السنوات الأخيرة الاستهلاك المحلي من النفط في المملكة العربيّة السعوديّة ربع إنتاجها النفطي، والذي يُستخدم بشكل أساسي لتوليد الطاقة. لذلك، من الواضح أن هناك حاجة للاستجابة للطلب المتزايد على الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة. وبالمناسبة، يتزايد هذا الطلب بسبب النمو الاقتصادي والسكاني، ولكن في الوقت نفسه، تتمتّع هذه البلدان بمصلحة اقتصاديّة في تعظيم الأرباح أو الإيرادات التي تُحقّقها من صادراتها من النفط والغاز. وتبقى هذه الصادرات المصدر الرئيسي لدخل هذه البلدان. ومن هنا فإنّ حلّ هذه المشكلة يأخذكِ مباشرةٍ إلى ما ذكرتِه سابقاً حول هذا السباق لبناء بنيّة تحتيّة للطاقة البديلة.
ولا يُنظر إلى هذه البنى التحتيّة كضرورة اقتصاديّة فحسب، أو كطريقة لتنويع الطاقة فحسب، بل تُشكّل جزءً من سرد أوسع لبناء دولةٍ حديثةٍ، ومجتمعٍ حديث. وفي هذا السياق، كانت دولة الإمارات العربيّة المتّحدة مثالاً رائعاً من خلال ما استطاعتْ فعله على مدار العقد الماضي.
م.ف.: هل يمكنكَ أن تشرح لنا كيف تمكّنتْ دولة الإمارات من تحقيق هذه القفزة الكبيرة على صعيد الطاقة في مثل هذا الوقت القصير؟
ع.أ.: في الواقع. أعتقد أن عبارة "القفزة الكبيرة" هي الوصف الصحيح هنا. وما تمكّنتْ دولة الإمارات العربيّة المتّحدة من فعله خلال السنوات القليلة الماضيّة هو رائعٌ بحق. فمن السهل الإعلان عن خططٍ أو أهدافٍ أو رؤى طموحة، إلا أنّ تنفيذها هو أصعب بكثير. ويُحسب لدولة الإمارات العربيّة المتّحدة، سواء كنّا نوافق على سياسة الطاقة الشاملة للدولة أم لا، أنّ قيادة دولة الإمارات قد أظهرتْ التزاماً حقيقياً بالخيار الذي اختارته في الوقت الحالي. وبطبيعة الحال، لم يكن تحقيق هذا المستوى من التقدّم ممكناً لولا وجود عامل تمكين معيّن، ألا وهو مركزيّة صنع القرار. وأقصد بكلامي هذا أنّ لديكم حُكّاماً يتوقّعون تنفيذ المشاريع بشكل سريع، حيث يغرس الالتزام الكبير من جانب هؤلاء الحكّام بهذه المشاريع الثقة، ولا سيما لدى مطوّري المشاريع ومطوّري التكنولوجيا الذين ينجذبون إلى دولة الإمارات. وفي هذه العمليّة، تُتيح هذه الثقة انخفاض تكاليف الاستثمار، فعادةً ما تزيد تكاليف الاستثمار في بلدٍ آخر عند الافتقار إلى اليقين والدّعم السياسي. وفي الواقع، لديكم في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة دعمٌ سياسيٌ رفيعُ المستوى لمشاريع الطاقة وعبر جميع مشاريع الطاقة التي نفّذتها الدولة على مدار العقد الماضي.
هناك عاملٌ آخرٌ أعتقد أنه غالباً ما يتم تجاهله، ولكن يبدو أنه مهمٌ للغاية، وهو العقد الاجتماعي المرن بشكل متزايد في دولة الإمارات وعبر دول مجلس التعاون الخليجي بشكلٍ عام؛ إلا أنّه ذو ارتباطٍ مباشر بوضع دولة الإمارات، وأعتقد أن هذه المرونة في العقد الاجتماعي يمكن أن تُفسّر جزئياً القبول العام الأكبر للطاقة النوويّة. وتذكّري أنّ الكثير من الدول تتبنّى مواقف مناهضة للطاقة النوويّة وظهرتْ فيها حركات مناهضة لهذا النوع من الطاقة، ويرجع ذلك أساساً إلى الخوف من تكرار الكوارث النوويّة السابقة. كما تشهد دول المنطقة التي تطمح أيضاً إلى امتلاك برامج نوويّة بعض الرفض العام الملحوظ للطاقة النوويّة. ومن المثير للاهتمام أننا لا نلاحظ ذلك في حالة دولة الإمارات العربيّة المتّحدة.
م.ف.: هذه نقطةٌ مهمةٌ ومثيرةٌ للاهتمام فعلاً وأنا مهتمة جداً في الحديث أكثر عن هذا الموضوع من خلال حوارنا، ولكنني أودُّ الآن أن أعود إلى إحدى النقاط التي ذكرتَها حول ارتباط الاحتياج للطاقة في منطقة الخليج بالنمو السكاني وبالتالي بالتنمية الحضريّة. فنحن نُدرك أن الطاقة تُعدّ محركاً رئيسيّاً للنمو الاقتصادي والعمراني، ولكن كيف يمكن لسياسة الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي استيعاب ذلك أو التحضير له؟
ع.أ.: بالنظر إلى المستويات المرتفعة لاستهلاك الطاقة محليّاً، تُدرك حكومات دول مجلس التعاون الخليجي أنه لا يكفي الاستمرار في بناء قدرات توليد الطاقة. بل يجب القيام بخطوةٍ ما على مستوى المستهلك، وفي المقام الأول تحفيز مستويات الاستهلاك المنخفضة أو على الأقل تقليل الدعم الحكومي الذي يدعم هذه المستويات العالية من الاستهلاك. الآن، كما يمكنكِ أن تتخيّلي، فإنّ مسألة إزالة الدعم تُعدّ خطوةً صعبةً؛ حيث تُسبّب المقاومة الشعبيّة. وإذا ما نظرنا إلى الأرقام، لوجدنا أنّ التكلفة الإجماليّة لدعم الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي تبلغ سنوياً حوالي 160 مليار دولار. إذن، هذا رقمٌ كبيرٌ للغاية ومن الواضح أنه غير مستدام. حيث يمكن إعادة تخصيص هذا المبلغ الضخم من الأموال لخدمة أغراضٍ عامةٍ أخرى مثل التعليم، والرعاية الصحيّة، كما يمكن أيضاً استخدامها لبناء البنية التحتيّة للطاقة التي يمكن أن تخدم الجميع. ولهذا أعتقد أن بعض دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك دولة الإمارات، قد استفادتْ من الانخفاض الأخير في أسعار النفط للفتِ نظر مواطنيها إلى موضوع عدم استدامة نموذج الدعم. وقد رأينا، إلى حدٍ كبيرٍ، قبول مثل هذه التحرّكات.
م.ف.: هل يُمكننا أن ننظر إلى هذه المسألة من منظورٍ أعمق قليلاً ونسأل عن الروابط الأخرى التي قد تكون موجودةً بين البنى التحتيّة للطاقة والمجتمعات التي تخدمها في دول مجلس التعاون الخليجي أو دولة الإمارات العربيّة المتّحدة؟
ع.أ.: أعتقد أن الطريقة التي روّجتْ بها دولة الإمارات، أو بشكل أكثر تحديداً حكومة أبو ظبي، لمشروع الطاقة النوويّة أمام العديد من أصحاب المصلحة في بداية تطوير المشروع أظهرتْ أن هناك علاقةً بين الجمهور العام والطاقة تتجاوز نموذج تقديم الخدمة. أليس كذلك؟ منذ بداية تطوير مشروع براكة، جرى إشراك قيادة مؤسّسات الطاقة الأخرى داخل الدولة - مثل شركة أدنوك، وشركة بترول أبو ظبي الوطنيّة، ومدينة مصدر - وأُدرجتْ في الحوارات المتعلّقة بموضوع الطاقة النوويّة. كما يشغلُ كلٌ من رئيس شركة أدنوك ورئيس مدينة مصدر مناصب في مجلس إدارة الهيئة المنظّمة للطاقة النوويّة، وكانت تلك خطوةً رمزيّةً ومهمةً للغاية لتسهيل إدراج مصدر طاقةٍ جديدٍ يمكن أن يواجه بعض المقاومة من قبل الجمهور ومن مؤسّسة الطاقة: لذلك، كان هذا النهج الوقائي فعّالاً للغاية في ضمان الانتقال السلس.
الآن، ومع التركيز بشكلٍ أكبرٍ على التفاعل العام مع مصدر الطاقة هذا: بدأتْ حكومة أبو ظبي في الأيام الأولى لمشروع تطوير محطة براكة للطاقة النوويّة، في بناء القدرات التدريبيّة والأكاديميّة - مثل إنشاء قسم الهندسة النوويّة في جامعة خليفة، وجلب كبار الخبراء الأكاديميين للتدريس في تلك الجامعة. كما تم إيفاد العديد من الطلاب إلى الخارج للحصول على شهاداتٍ وتدريبٍ في المجال النووي، لذا يمكن لكِ أن تتخيّلي أن لدى هؤلاء الطلاب وعائلاتهم حصةً كبيرةً في المشروع النووي. ويمكنهم الآن العمل كسفراء لمصدر الطاقة هذا ومجتمعهم. وإذا كان لدى أيُّ شخصٍ أسئلةً بخصوص السلامة النوويّة، فسيُشارك هؤلاء الأشخاص معرفتهم بماهيّة الأمان النووي وكيف يكون هذا المفاعل آمناً للعمل في أبو ظبي. وهذا مهمٌ حقاً ولا نراه في دول أخرى تُخطّط لمشاريع الطاقة النوويّة في المنطقة. وقد يُبرّر هذا جزئياً سبب وجود نوعٍ من القبول العام للطاقة النوويّة في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة.
ويهمنّي أن ألفتَ النظر إلى حقيقة أننا نعتمد كثيراً على الاتّصالات التي تقودها الحكومة ومشاركات المواطنين؛ حيث يتحمّل المواطنون مسؤوليّة أداء واجباتهم والتدقيق ليس فقط في الأساس المنطقي لتوسيع البنيّة التحتيّة للطاقة، وإنما أيضاً في مواضيع التكلفة، والتأثير البيئي، ومخاطر السلامة والأمن المرتبطة بكل هذه المشاريع. وبصراحة، لا يمكنني التفكير في سببٍ أكثر أهميّةٍ لمناقشة كل هذه الجوانب من بناء محطة طاقةٍ نوويّةٍ في بلد ما.
م.ف.: شكراً لكَ على هذا الشرح. ومن خلال ما فهمتُه من قراءة أعمالكَ والتحدّث إليكَ: فإن مسألة الطاقة في دولة الإمارات والخليج لها علاقةٌ بالعديد من الجوانب المختلفة، أليس كذلك؟ إنها مسألةٌ اقتصاديّةٌ وسياسيّةٌ على المستوى المحلي والإقليمي، وكذلك على المستوى الدولي. وأنا أعتقدُ أنه من المهم فهم التكلفة التي تنطوي عليها محطة براكة للطاقة النوويّة حتى نتمكّن من تكوين فكرة عن مدى الأهميّة التي تُسبغها عليها السلطات السياسيّة والماليّة.
ع.أ.: صحيح. أعتقد أنكِ تطرحين سؤالاً مهماً جداً. ففي نهاية المطاف، يُعدّ الاقتصاد جزءً واحداً فقط من عمليّة صنع القرار في مشروع البنية التحتيّة أو مشروع الطاقة. ومن الواضح أن هناك عوامل أخرى تُؤخذ بعين الاعتبار. وعادةً ما تُقسّم هذه التكاليف إلى مجموعتين: تكاليف رأس المال والاستثمار الثابتة من جانب والتكاليف التشغيليّة المتغيّرة من جانب آخر. وفيما يخصّ الطاقة النوويّة وطاقة الرياح والطاقة الشمسيّة (مصادر الطاقة البديلة الثلاثة هذه)، تُهيمن تكلفة رأس المال على تكلفتها؛ في حين أن تكلفتها التشغيليّة منخفضةٌ للغاية. أما مصادر الطاقة التقليديّة، مثل محطات الطاقة التي تعمل بالنفط أو الغاز، فهي على عكس ذلك: أي أنّ تكاليفها التشغيليّة عاليّةٌ جداً، والتي عادةً ما تكون تكلفة الوقود، إلا أنّ تكلفة رأس المال منخفضةٌ للغاية.
الآن، ومن بين مصادر الطاقة البديلة، تُعدّ الطاقة النوويّة إلى حدٍ بعيد الأكثر تطلّباً لرؤوس الأموال الضخمة. فقط لأُعطيكِ مثالاً على ذلك، ستبلغ تكاليف الطاقة الاستيعابيّة لمشروع محطة براكة حوالي 5 مليارات دولار أمريكي لكل جيجاواط، وبالمقارنة، فإن آخر مشروعٍ للطاقة الشمسيّة في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة كلّف 800 مليون دولار أمريكي. وما يجب التأكيد عليه هنا هو أن تكاليف الطاقة الشمسيّة ما تزال تشهد انخفاضاً كبيراً. وهناك أيضاً مستوى معيناً من التقدّم التكنولوجي وتقدّم الكفاءة والذي يجعل من الممكن أن تنخفض هذه التكاليف بشكلٍ أكبر.
ومع ذلك، فإن الطاقة النوويّة والطاقة الشمسيّة أو طاقة الرياح هي مصادر مختلفة للطاقة. وتُعتبر الرياح والطاقة الشمسيّة من المصادر "المتقطّعة"، لذا فهي تُولّد الطاقة فقط لجزءٍ بسيطٍ من اليوم: فعندما لا تكون الشمس مشرقةٌ في الليل أو عندما لا تهبُ الرياح، فلا تعمل هذه المصادر. وتُعتبر الطاقة النوويّة نوعاً مختلفاً من مصادر الطاقة، حيث نُسمّيها "الحمل الأساسي": ويُولّد الحمل الأساسي الطاقة على مدار الساعة. لذا بطريقةٍ ما، هناك قيمة للطاقة النوويّة التي تُولّد الطاقة في أي وقتٍ نحتاجها، ونُسمّي هذه الخاصيّة "قابليّة التوزيع". لذا، يتم توزيع الطاقة النوويّة كلما كان هناك طلبٌ عليها. وهذه القابلية للتوزيع غير موجودة حالياً بشكل كامل في الطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح، حيث مازالت تنتظر تطوير إمكانيّة تخزين الطاقة: وبمجرّد حدوث ذلك، ستتغيّر قواعد اللعبة لأن التخزين سيجعل تقنيات الطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح قابلة للتوزيع.
م.ف.: لجعل ما تقوله أكثر قابليّة للفهم بالنسبة للشخص العادي مثلي، سيكون من المفيد أن تُساعدنا على فهم الفرق بين أنواع الطاقة هذه من حيث التكلفة ومُخرجات الطاقة. وما هو الفرق بين البنية التحتيّة الرئيسيّة مقابل نوعٍ من مزيج الطاقة اللامركزيّة. وماذا يعني أن يكون لديكَ مزيجٌ من الطاقة؟ ولماذا يُعدّ هذا أمراً جيداً؟
ع.أ.: بالتأكيد. أعتقد أنه من المهم أولاً التمييز بين الطاقة المتولّدة ومصدر الطاقة. لذا يمكن أن يكون لمحطة الطاقة استطاعة معينة. على سبيل المثال، يمكن أن تبلغ استطاعة محطة الطاقة النوويّة النموذجيّة 1000 ميغاواط أو واحد جيجاواط؛ ويمكننا الحصول أيضاً على نفس الاستطاعة من محطة الطاقة الشمسيّة. وبالتالي لكلاهما نفس الاستطاعة، إلا أنّهما لا تُعطيان نفس القدر من الطاقة لأنه في حالة الطاقة النوويّة، يتم إنتاج هذه الاستطاعة (1000 ميغاواط) على مدار الساعة – لذا في حال قمنا في أيّة لحظة بالاستفادة من مفاعل الطاقة النوويّة هذا لتوليد الكهرباء منه، فإنه يمنحنا 1000 ميغاواط ثابتة. من ناحيةٍ أخرى، عندما يتعلّق الأمر بالطاقة الشمسيّة أو طاقة الرياح أو غيرها من محطات الطاقة المتجدّدة المتقطّعة، فإنها تمنحنا صفراً في بعض الأحيان، عندما لا توجد رياح. وفي أحيان أخرى، فإنها تمنحنا 30٪ من الـ 1000. لذا، وبسبب هذا التباين، فإن إجمالي كميّة الطاقة التي يُنتجها كل مصدر طاقة سيكون مختلفاً عن الآخر. كنتُ أقول سابقاً أن تكلفة الطاقة النوويّة أعلى بكثير من الطاقة الشمسيّة أو طاقة الرياح، ولكن حتى عندما تأخذين هذا التباين بعين الاعتبار، فإن الطاقة النوويّة ما تزال مكلفةً للغايّة مقارنةً بالطاقة الشمسيّة.
وتكمن قيمة الطاقة النوويّة حالياً في سياق اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي في أنها يمكن أن تُوفّر على الأقل توليد الحمل الأساسي هذا، حيث تحلّ محلّ محطات توليد الطاقة الحراريّة بالغاز أو النفط. ولكن مرةً أخرى، عندما يُصبح تخزين الطاقة منافساً اقتصادياً، فإن الجمع بين تخزين الطاقة وطاقة الرياح والطاقة الشمسيّة سيقضي فعلياً على أية قيمةٍ للطاقة النوويّة.
م.ف.: إذن، أنتَ تقول بطريقة ما أن مصادر الطاقة البديلة ليستْ كلها متساوية، أليس كذلك؟ أيضاً، هل الطاقة النوويّة طاقةٌ "بديلةٌ" أم طاقةٌ "متجدّدةٌ" لأنني أجد المصطلحين مستخدمين بشكل فضفاض نوعاً ما في بعض الأحيان؟
ع.أ.: نعم، أوافقكِ الرأي. أعتقد أن هذين المصطلحين محيّران وعادةً ما يستخدمهما الناس بالتبادل. تُعدّ الطاقة النوويّة وطاقة الرياح والطاقة الشمسيّة مصادر طاقة "بديلة"، بمعنى أنها تُوفّر بديلًا عن مصادر الطاقة التقليديّة مثل الفحم والنفط والغاز. وتعني كلمة "متجدّد" أن الوقود المطلوب لمصادر الطاقة هذه لا متناهي، كما هو الحال بالنسبة للطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح. ولكن عندما يتعلّق الأمر بالطاقة النوويّة، فإن اليورانيوم ليس لا متناهي. كما أنّ المصطلح الذي أُفضّل استخدامه عندما أتحدّث عن مصادر الطاقة هذه معاً هو الطاقة "البديلة" لأن الطاقة النوويّة لا يمكن تصنيفها كمصدرٍ للطاقة المتجدّدة.
أودّ أن أعود إلى السؤال حول ما إذا كانت جميع المصادر متساويّة، لأنني أعتقد أنه من المهم أن نفهم كيف نُقارن مصادر الطاقة ببعضها البعض؟ الشيء الرئيسي الذي تتم مقارنته عادةً هو التكلفة، وهذا متوقّع، ومع ذلك، فهناك عوامل أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار أيضاً. وهنا أودُّ أن أُشير إلى أن توليد الطاقة ظلّ تاريخياً بعيداً عن أنظار المستهلكين. لذلك، يتم توليد الطاقة عادةً خلف منشآتٍ مغلقةٍ تُشبه إلى حدٍ كبيرٍ الهياكل الصناعيّة، حيث يكون الجانب المرئي الوحيد هو برج التبريد الأيقوني وجميع الانبعاثات الصادرة عنه. وبالتوازي مع ذلك، هناك سردٌ مفاده أن كل ما يهتم به المستهلكون هو تقديم الخدمة، وهو أمرٌ صحيحٌ إلى حدٍ ما في منطقتنا. فنحن كمستهلكين لا نسأل أو نُفكّر عادةً في مصدر الكهرباء التي تأتي إلى منزلنا وتُشغّل التلفزيون أو الميكروويف.
ومع ذلك، أعتقد أنه يمكن الاعتراض على هذا الطرح الخاص بالفصل بين التوليد والاستهلاك والمستهلكين في نهاية المطاف، وذلك بطريقتين على الأقل: أولاً، يُطلب من صناع السياسات بشكل متزايد تبرير مزيج الطاقة الذي يرغبون في الحصول عليه، وعند القيام بذلك، فهم غالباً ما يتحدّثون عن عوامل خارجيّة أخرى بخلاف توفير الكهرباء، مثل الجوانب البيئيّة، وخلق فرص العمل، وبناء قاعدةٍ تكنولوجيّةٍ وما إلى ذلك. ثانياً، أعتقد أنّ المواطنين يتّخذون الآن موقفاً أكثر استباقيّة. فعندما يُصمّم الناس بوعيٍ مبانٍ ذات كفاءة في استخدام الطاقة أو يُركّبون ألواحاً شمسيّةً على الأسطح، فإنهم يُصبحون أعضاءً نشطين في مجال الطاقة: ولن يعودوا مجرّد مستهلكين.
وعند النظر إلى هذين الجانبين معاً، يمكن للمرء أن يصل إلى استنتاجٍ مفاده أنّ موارد الطاقة ليست كلها متساوية وبالتأكيد ليست كل مصادر الطاقة البديلة متساوية. حيث ينظر أصحاب المصلحة المختلفون إلى قيمة كل مصدر طاقة بشكل مختلف. لذلك، في حين أنّ مفاعلاً مركزياً ضخماً للطاقة النوويّة، مثل محطة براكة للطاقة النوويّة - والتي ستُنتج 5.6 جيجاواط من الطاقة التي تكفي لتلبية ربع احتياجات الطاقة في دولة الإمارات - يحمل قيمةً هائلةً لتنويع الطاقة بالنسبة للبعض، فإنه ينطوي على تكلفةٍ ضخمةٍ ومخاطر أمنيّة بالنسبة للآخرين.
وأنا شخصياً أعتقد أن مصادر الطاقة المتجدّدة يجب أن تكون مستقبل مدننا. وقد كانت تكلفة الطاقة المتجدّدة تنافسيّة منذ عام 2014 على الأقل. وبالمقارنة مع الطاقة النوويّة، فإن مصادر الطاقة المتجدّدة أقلُ إشكاليّةً من الناحيّة البيئيّة، ويمكن أيضاً نشر الطاقة المتجدّدة على أي نطاق: حيث يمكننا الاستفادة منها على نطاق المرافق، على سبيل المثال مشروع الطاقة الشمسيّة المتجدّدة الذي يُولّد مقداراً كبيراً من الكهرباء – وكذلك أيضاً على نطاقٍ أصغر من خلال وضع ألواحٍ شمسيٍّة أصغر على أسطح منازلنا. إذن، تتميّز الطاقة المتجدّدة بالتأثيرات المختلفة النطاقات، وهي خاصيّة لا تمتلكها الطاقة النوويّة.
م.ف.: عندما تم الإعلان عن مشروع محطة براكة للطاقة النوويّة، أشارتْ المقالات والتصريحات الصحفيّة إلى الفوائد البيئيّة لهذا التحوّل إلى الطاقة النوويّة. هل يمكنكَ أن تشرح لنا بالتفصيل ما يعنيه هذا هنا على وجه التحديد، كيف يُعدّ هذا التحوّل إلى الطاقة النوويّة "إيجابياً للبيئة" وكيف يُقارن هذا بالاتجاهات العالميّة نحو اختيار الطاقة النظيفة كبديل للوقود الأحفوري؟
ع.أ.: لا أعتقد أن قرار دولة الإمارات العربيّة المتّحدة الذي اتّخذته في عام 2008 للاستثمار في الطاقة النوويّة كان يعتمد بشكلٍ أساسيٍ على عوامل بيئيّة. وهذا لا يعني أن القضايا البيئيّة لم تكن من الحجج الداعمة، إلا أنني لا أعتقد أنها كانت الحجّة الرئيسيّة. ومن الواضح أنه في ذلك الوقت، كانت دولة الإمارات تهتم بشكل أكبر بمسألة أمن الطاقة والعوامل الاقتصاديّة، لأنّه على الرغم من كون الطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح أكثر تنافسيّة من حيث التكلفة في الوقت الحالي، إلا أنّهما لم تكونا على هذا الحال في عام 2008. ففي عام 2008، إن لم أكن مخطئاً، كانت أسعار النفط عند مستوىً مرتفعٍ للغاية، لذا كانت هناك تكلفة ضخمةٍ لدولة الإمارات لحرق النفط محلياً. وكانت هناك بعض المزايا الاقتصاديّة لامتلاك طاقةٍ نوويّة. ومن الواضح أنّ المشهد الاقتصادي للطاقة قد تغيّر بالكامل منذ ذلك الحين.
وإذا ما قارنّا الطاقة النوويّة بالطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح، فجميعها لا ينتج عنها الكثير من ثاني أكسيد الكربون. كما لدى الطاقة النوويّة مشكلات أخرى لا توجد في الألواح الشمسيّة أو توربينات الرياح. لذا، في حين أن الطاقة النوويّة يمكن أن تكون حلاً من أجل تقليل انبعاثات الكربون، إلا أنها تخلق مشكلةً تخصّ مسألة النفايات النوويّة، وحتى الآن، ليس لدينا إجابة علميّة حاسمة حول كيفيّة التعامل مع هذه المشكلة: حيث ستبقى هذه النفايات النوويّة لآلاف السنين. وبالتالي، وعلى الأقل من وجهة نظري، من شأن ذلك أن يجعل الطاقة النوويّة أقل صداقةً للبيئة.
بعد قولي هذا، أعتقد أن هناك عوامل أخرى مهمة للمقارنة، ومنها الوقت المطلوب لبناء هذه المشاريع. عادةً، يستغرق مشروع الطاقة الشمسيّة أو طاقة الرياح سنةً أو سنتين ليكتمل بالكامل، في حين يستغرق بناء مفاعلٍ نووي بينٍ 8 إلى 10 سنوات في المتوسط. ومن هذا المنطلق، بدأ تشغيل مشروع محطة براكة للطاقة النوويّة في عام 2012، وكان من المتوقّع أن يستغرق 5 سنوات فقط، إلا أنّه تأخّر لمدة 3 سنوات إضافيّة. وبالمناسبة، هذا لا يقتصر فقط على محطة براكة للطاقة النوويّة، فكل مشاريع المفاعلات النوويّة الجديدة تقريباً في جميع أنحاء العالم تُعاني من تأخيرات في الوقت وتجاوزات في التكاليف.
لما ذكرت ذلك في سياق محادثةٍ تدور حول المواضيع البيئيّة؟ لأنه إذا كنّا نريد حقًا حلّ مشكلة تغيّر المناخ، فعادةً ما يجب أن نبحث عن حلولٍ يمكن نشرها بسهولة في الوقت المناسب. إذن، السؤال الآن: إذا أردنا أن يكون لدينا هذا التوسّع الهائل في الطاقة البديلة التي لا ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون، أيٌ من مصادر هذه الطاقة البديلة لديه أعلى فرصةٍ بأن يُنشَر بسرعةٍ وفي جميع السياقات؟ وفي حين أن الطاقة النوويّة يمكن نشرها وتطويرها في البلدان الصناعيّة مع التسبّب بالحد الأدنى من المشكلات، إلا أنه لا يمكن نشرها في مواقف أكثر تعقيداً مثل البلدان الهشّة أو البلدان التي تُعاني من نزاعاتٍ أو صراعاتٍ على الحدود. وهناك العديد من العقبات التي تواجه التوسّع في الطاقة النوويّة كاستجابةٍ لتغيّر المناخ. ومن ناحيةٍ أخرى، فإنّ هذه القضايا، أو هذه المخاوف، غير موجودةٍ عندما يتعلّق الأمر بالطاقة الشمسيّة أو طاقة الرياح.
م.ف.: بصفتي شخصاً شهد حادثة تشيرنوبيل، ومن ثم مؤخراً حادثة محطة فوكوشيما النوويّة، فقد انزرع لديّ الخوف من التهديد المحتمل لأي حادثٍ مؤسف، وذلك على الرغم من أنني أفترضُ أنه وعلى مرّ السنين قد تحقّق تقدّمٌ تكنولوجيٌ ونُفّذتْ تدابير احترازيّة متزايدة حتى لا تتكرّر مثل هذه الأحداث في المستقبل. وبصفتي مقيمة في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، فأنا أدركُ أن هذا بلدٌ صغيرُ، وبالتالي فإن أية محطّات نوويّة لن تكون بعيدة جداً عن مدننا - فأبو ظبي نفسها قريبةٌ جداً من الظفرة حيث تقع محطة براكة للطاقة النوويّة. ما هو رأيكَ بمسألة الأمان هذه؟
ع.أ.: أعتقد أن هذا سؤالٌ مهمٌ للغايّة. ذكرتُ سابقاً جهود المشاركة هذه التي أجرتها الحكومة للحصول على موافقة عامة على المشروع النووي. وفي إطار هذه الجهود، نُوقشتْ مسألة سلامة المفاعل النووي، ومن الواضح أنه تم التأكيد على أمان هذه المفاعلات. وأنا شخصياً أعتقد أن مسألة السلامة النوويّة لا تتعلّق بحالة ما "إذا" سيحدث حادث، بل تتعلّق المسألة بحالة ما "إذا كان من الممكن حدوث ذلك". لذا، إنها مسألة احتمال. والسؤال هو: هل يمكننا القضاء نهائياً على احتمال وقوع حادث؟ والإجابة على ذلك هي لا - حتى بالنسبة للمهندسين النوويين الذين يحسبون احتمالات هذه الحوادث، فإن هذه الاحتمالات هي ليست صفراً أبداً: هي ضئيلةٌ جداً، إلا أنها ليستْ معدومة - وأعتقدُ أن مشكلة الحادث النووي هي أنّه على الرغم من أنّ احتمال وقوع مثل الحادث هو منخفض للغاية، إلا أن تأثيره كبير. وقد علّمتنا فوكوشيما أن نُفكّر حقاً فيما لا يمكن تصوّره عندما يتعلّق الأمر بتقييم مخاطر الطاقة النوويّة وتأثيراتها.
علاوةً على ذلك، يعتقد معظم الناس أن الحوادث النوويّة نادرةٌ لأنكِ إذا طلبتِ من شخصٍ ما في الشارع تسميّة الحوادث النوويّة، فقد يقول لكِ تشيرنوبيل، وفوكوشيما، وثري مايل آيلاند في الولايات المتّحدة، ولكن في الحقيقة لدينا المزيد من الحوادث النوويّة. إلا أنّ السبب وراء قدرة الجمهور على تسميّة هذه الحوادث الثلاثة فحسب يعودُ لكونها الحوادث الكارثيّة التي وقعتْ. لذلك، كانت الحوادث الأخرى إما أقل إشكاليّةً، أو ربما لم يتم الإبلاغ عنها حتى.
وهذا يرتبط جيداً بقضيّة دولة الإمارات العربيّة المتّحدة ودول مجلس التعاون الخليجي التي ذكرتِها. ومن المحتمل أن تكون الحوادث النوويّة في دول مجلس التعاون الخليجي أكثر كارثيّةً من الحوادث التي ذكرتُها سابقاً لأن لدينا مدناً ذات كثافةٍ سكانيّةٍ عاليّةٍ، ولدى هذه المدن خيارٌ ضئيلٌ أو معدومٌ لإجلاء السكّان إذا لزم الأمر. كما أنّ هناك جانبٌ آخرٌ مهمٌ جداً أيضاً، ألا وهو الروابط بين الطاقة وأمن المياه – فإذا وقع أي حادثٍ نووي، فهناك احتمال أن تُصبح مياه الخليج ملوثة. وتعتمد دول مجلس التعاون الخليجي بشكل كبير على المياه المحلّاة - حيث يصل الاعتماد في بعض البلدان إلى 80 أو 90٪. لذا، فإن أي تلوّث مائي يُشكّل تهديداً حقيقياً للأمن المائي في هذه البلدان نتيجةً لهذه الأسباب، وبالتالي يجب أن تكون السلامة النوويّة أولويّةً قصوى من حيث صنع السياسات في المنطقة. وحتى الآن، أنا واثق من أن حكومة دولة الإمارات العربيّة المتّحدة تتّخذ أفضل الإجراءات لضمان سلامة محطة براكة للطاقة النوويّة.
م.ف.: شكراً لكَ، أنت تساعدنا على تجميع هذه الخيوط المتنوعة من المعلومات التي تصلنا كأشخاص غير اختصاصيين في هذا المجال كأجزاءٍ قد لا نُدرك دوماً كيفيّة تجميعها معاً.
في مقالكَ لعام 2019 حول صادرات كوريا الجنوبيّة من الطاقة النوويّة إلى دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، أشرتَ إلى شيءٍ مثيرٍ للاهتمام، ألا وهو معاملات الطاقة بين اقتصادات الخليج وآسيا؛ مثل الصين، واليابان، وكوريا الجنوبيّة، والعديد من هذه الدول التي تُعدّ الأكثر طلباً على النفط والغاز الطبيعي. هل يمكنكَ توضيح المزيد حول كيفيّة ارتباط الانتقال إلى الطاقة النوويّة بسوق الطاقة العالمي هذا ودور دولة الإمارات فيه؟
ع.أ.: بالتأكيد. يمكنني التفكير في ديناميكيتين هنا نستطيع تسليط الضوء عليهما. الأولى هي الديناميكيّة التي ذكرتِها حول معاملات دولةٍ مع دولةٍ أخرى، ولكن يمكننا ربما الحديث أيضاً عن المستوى العالمي لأسواق الطاقة. لذا، وعلى مستوى الدولة، فلا شكّ في أنّ معاملات الطاقة بين الدول، سواء كانت مباشرةً من خلال تصدير أو استيراد النفط والغاز، أو غير مباشرةٍ من خلال تصدير أو استيراد الخبرات، أو تطوير البنيّة التحتيّة - مثل حالة محطة براكة للطاقة النوويّة، التي اشتملتْ على مشاركةٍ قويّةٍ من كوريا الجنوبيّة - وهو شكلٌ من أشكال الدبلوماسيّة. أعني أن اختيار المورّد النووي الكوري الجنوبي لبناء محطة براكة للطاقة النوويّة لم يكن عشوائياً عندما نُدرك أن كوريا الجنوبيّة هي واحدةٌ من أكبر الشركاء التجاريين (إن لم يكن أكبرهم) مع دولة الإمارات العربيّة المتّحدة. لذا، فأنتِ محقّةٌ تماماً في تسليط الضوء على شكل المعاملات هذا للعلاقة بين البلدان.
الآن، وعلى المستوى العالمي، تبقى الحصة النوويّة من الكهرباء، إن لم أكن مخطئاً، حوالي 10٪ من توليد الطاقة العالمي. لذا، فهي ليستْ نسبةً كبيرة، فمن الواضح أن الوقود الأحفوري - الفحم والغاز الطبيعي والنفط - ما يزال يُهيمن على توليد الطاقة العالمي، إلى جانب مصادر الطاقة المتجدّدة بالطبع. وعلى عكس الطاقة النوويّة، فإن مصادر الطاقة المتجدّدة تتّخذ خطواتٍ كبيرة وتؤيدها الحكومات والمجتمعات على حد سواء. ولا أعتقد أن التوسّع في الطاقة النوويّة على المستوى العالمي سيكون بالسرعة التي يتوقّعها بعضُ مؤيّدي الصناعة، للأسباب التي أشرتُ إليها سابقاً – ولا سيما التحدّيات المتعلّقة بالتمويل والاقتصاد.
كما ترتبط المخاوف المتعلقة بحجز النفط للتصدير عالمياً والاحتياجات الثقيلة من الكهرباء لسكان دول مجلس التعاون الخليجي ارتباطاً جوهرياً. وسواء كان التزاماً بيئياً أم لا، فإن الأمر يتعلّق في هذه المنطقة بحقيقة حدوث تغيّر المناخ.
م.ف.: إذن، بالنظر إلى هذه العوامل المختلفة التي تدخل في سياسة الطاقة. إلى أين سيقودنا المستقبل هنا في دول مجلس التعاون الخليجي وفي دولة الإمارات؟
ع.أ.: ناقشنا في وقتٍ سابقٍ العلاقة بين موارد الطاقة وتغيّر المناخ، ولكن من المهم ملاحظة أن هذه العلاقة ثنائيّة الاتجاه. لذا، من الواضح أن اختيار مصادر الطاقة له تأثيرٌ على تغيّر المناخ، ولكن في المقابل أيضاً فإنّ لتغيّر المناخ تأثيرٌ على مصادر الطاقة، على سبيل المثال - وهذا أحد المشاريع التي أعمل عليها الآن حيث أُناقش كيف يمكن للأحداث الناتجة عن تغيّر المناخ، مثل موجات الحرارة أو الفيضانات، أن تُغيّر أو تُؤثّر بالفعل على عمليات المفاعلات النوويّة. على سبيل المثال، إذا ارتفعتْ درجات الحرارة عن مستوى معين، فسيكون من الواجب إغلاق المفاعلات النوويّة لأن ماء التبريد لن يكون بارداً بدرجة كافية لإخراج الحرارة من المفاعل. لذا يمكننا أن نُلاحظ أن هناك عدداً من التحدّيات التي ما تزال قائمة والتي يتعيّن على صناع السياسات والأكاديميين محاولة العمل معاً لإيجاد حلولٍ لهذه التحدّيات.
وفي الواقع، فإنّ دولة الإمارات العربيّة المتّحدة هي ليستْ ولن تكون الدولة الوحيدة في الخليج التي تُدير مفاعلاً نووياً: لدينا إيران، التي تُشغّل حالياً مفاعل بوشهر، ولدينا السعوديّة التي تُخطّط لبناء مفاعلات نوويّة. لذا، أعتقد أنه المهم حقاً تعزيز التعاون الفني وتقوية الاستعداد للطوارئ بين هذه البلدان الثلاثة أو جميع البلدان. وفي الحقيقة، فإذا وقع حادثٌ نوويٌ، فإنّ تأثيره سيكون عابراً للحدود، حيث ستتأثّر جميع البلدان في المنطقة، ولا سيما ما ذكرناه سابقاً بخصوص المياه، لأن كل شخصٍ في الخليج يحصل على الماء من الخليج. ولن يقتصر التأثير على بلدٍ واحدٍ؛ بل سوف يطال جميع البلدان. لذا، فإننا نحتاج إلى الوصول إلى فهمٍ أفضلٍ لكيفيّة تأثير عوامل خارجيّة معيّنة، مثل تغيّر المناخ، على مصدر الطاقة هذا.
(الهوية البصرية بإذن: ترينالي الشارقة للعمارة، الصورة بإذن: علي أحمد، تقنية التسجيل الصوتي: Blue Dot Sessions)